Al-Arab Blog - مدونة العرب
٢٠٠٥/٠٣/١٠
أولوية الجغرافيا السياسية
أولوية الجغرافيا السياسية
د. إبراهيم علوش
فلننسَ هنيهةً الغزل الوحدوي وروابط الدين والعروبة واللغة والتاريخ: لا يقوم أيٌ من بلدان الوطن العربي في فراغ، بل في ملعب جغرافي إقليمي محدد يستحيل تفصيل أو عزل أي مربع منه بخط خنفشاري في مياه البحر قد نسميه حدوداً. فالعلاقات والتفاعلات التي لا مفر منها ما بين الظواهر ومكونات الأشياء تفرض وجوداً إقليمياً عابراً للحدود السياسية، وتأثيراتٍ أقوى من الخطوط في الرمال تفعل فعلها عبر القوانين الحديدية للجغرافيا السياسية.
ولا يمكن أن نفهم دافع الاستعمار الأوروبي لتأسيس دولة "إسرائيل" مثلاً إلا من منظور قوانين الجغرافيا السياسية. فبعد قيام محمد علي باشا في مصر بضم الجزيرة العربية وبلاد الشام خرج وزير خارجية بريطانيا بالمرستون بفكرة "عودة الشعب اليهودي إلى فلسطين" لقطع الطريق على مصر شرقاً. ففلسطين لم تكن مستهدفة يوماً إلا بسبب موقعها في قلب الوطن العربي، ومعاناة الفلسطينيين ليست إلا نتاجاً فرعياً لموقع فلسطين الجغرافي السياسي! ... وهو ما ينساه كثيرون اليوم، من الفلسطينيين، وباقي العرب، فدولة العدو كانت وما زالت موجهة أولاً ضد نشوء كتلة منافسة للغرب.
مثال أخر: بعد إخراج محمد علي باشاً بالقوة من الجزيرة العربية وبلاد الشام، قام الاستعمار الأوروبي بإعادتهما إلى الدولة العثمانية، فقد كانت بريطانيا تتعامل مع العثمانيين كحاجز جغرافي سياسي فحسب ضد تمدد القياصرة الروس جنوباً وغرباً. وعندما تم توقيع المعاهدة البريطانية-الروسية، واستعيض عن العداء التقليدي البريطاني-الروسي بالتحالف، أصبحت الدولة العثمانية بحكم المنتهية، ووقع انقلاب "تركيا الفتاة" عام 1908.
ولا يمكن فهم العلاقات الدولية أو الصراعات الإقليمية على حدٍ سواء دون الاستعانة بقوانين الجغرافيا السياسية. فالاتحاد السوفياتي والصين تصارعا تحت أقنعة أيديولوجية على قيادة المعسكر الاشتراكي كأكبر كتلتين فيه. ولا يخرج صراع البعثين السوري والعراقي في المشرق العربي عن هذا القانون. وتنافست بروسيا والنمسا على قيادة باقي الولايات الألمانية في القرن التاسع عشر، فأخرجت النمسا من المعادلة حتى مجيء هتلر فابتلعتها ألمانيا. ومعاهدة كامب ديفيد التفاف دولي على الجغرافيا السياسية الإقليمية لإخراج الوزن المصري من معادلة الصراع العربي-الصهيوني...
قوانين الجغرافيا السياسية تعني أن قيادة الوطن العربي لا تكون جيبوتي مثلاً أو فلسطين أو ليبيا أو أي الأقاليم التابعة تاريخياً لمراكز الثقل في سوريا والعراق والجزيرة العربية ومصر والمغرب العربي. والخلافة، عندما كانت عربية، كانت بالضرورة في إحدى هذه المراكز الإقليمية، ولا يمكن بالتالي أن "تستقل" الأقطار العربية الثانوية إلا بالتبعية لقوى كبرى خارج الإقليم.
فهي معادلة رياضية لا مفر منها. ولا تنشق قطر مثلاً على السعودية دون الاستعانة بأمريكا، ولا ينشق لبنان على سوريا دون أن يصبح أمريكياً أو فرنسياً أو "إسرائيلياً"، والسودان دون مصر يصبح مجرد فريسة، أما فلسطين، فكانت تاريخياً منطقة نفوذ مصرية أو سورية، فالقرار المستقل يعني بالضرورة التبعية للقرار الأمريكي-الصهيوني، ففلسطين ليست معلقة في فراغ!
ولو استلم السلطة في أي قطر عربي حزب إسلامي أو قومي أو ماركسي أو بوذي، مبدئي أو انتهازي، فهو لا يملك الخروج على قوانين الجغرافيا السياسية، فهو في السودان إما أن يتبع مصر أو قوة كبرى خارج الإقليم، وهو في لبنان إما أن يتبع سوريا أو قوة كبرى خارج الإقليم، وهكذا... والأقطار العربية الثانوية إما أن تكون مواطئ قدمٍ لقوى الهيمنة الخارجية ضد المراكز الإقليمية، أو أن تكون منطقة نفوذ للمراكز الإقليمية... أو ساحة اشتباك وتصارع على النفوذ بين اللاعبين الكبار.
لذلك، فإن شعاراً مثل "العراق أولاً" أو "مصر أولاً" أو "الأردن أولاً" أو "القرار الفلسطيني المستقل" أو "حرية وسيادة لبنان" لا يعني أبداً أن ذلك المربع المصطنع اصطناعاً بخطٍ من الرمال في الصحراء سيتحول بانعزاله إلى جنة معلقة فوق الإقليم، ولا أن لبنان بعيداً عن سوريا سيكون مستقلاً، أو أن مصر بعيداً عن عمقها العربي سترفل بالنعيم، ولا أن الصحراء الغربية ستستقل فعلاً ولو اعترفت بها الأمم المتحدة.
ليكن واضحاً: لا ندعو أبداً للتبعية لأي نظام، بل لمنطق شمولي في فهم الأمور، فالمستهدف من الهجمة اليوم ليس فقط وحدة وعروبة لبنان فحسب، بل سوريا المركز الإقليمي، ولو كان حاكمها معاوية بن أبي سفيان أو قارئ هذه السطور.
0 Comments:
"Join this group" مجموعة العروبيين : ملتقى العروبيين للحوار البناء من أجل مستقبل عربي افضل ليشرق الخير و تسمو الحرية | ||
Subscribe to Arab Nationalist | ||
Browse Archives at groups-beta.google.com |
This work is licensed under a Creative Commons License.
Anti War - Anti Racism
Let the downFall of Sharon be end to Zionism
By the Late, great political cartoonist Mahmoud Kahil