الثراء العربي بين الحقيقة والخيال حقائق وأرقام ومعطيات من أجل التأسيس( [1]) الدكتور عزت السيد أحمد
إنَّ الحديث في الثراء العربي متاهة لا حدود لها في حقيقة الأمر، فلا نعرف من أين نبدأ، ولا أين ندخل، ولا أين ننتهي. وما يثيره هذا الموضوع أكثر من أن تحده حدود، ولا سيَّما أنَّ كلَّ مدخل من مداخل الكلام ينشعب إلى موضوعات إن خلت من الحرج لم تخل من التَّعقيد، وإن خلت من التَّعقيد لم تخلُ من عدم توافر المعلومات والمعطيات.
على أنَّ الذي تجدر الإشارة إليه هنا، وقبل خوض غمار الموضوع، هو أننا لا نتناول هذه المعطيات طمعاً ولا حسداً كما يتوهم ذوي الشأن، الذين يتواثبون فوق الأرض ضجراً وتخوفاً من طمع المتكلمين، إن كان المتكلمون عرباً، أما إن كانوا غير عرب فلهم الحقُّ في كلِّ شيء فهم منـزهون من الطمع، وموضوعيون لا مصلحة لهم في شيء مما يتبادر إلى أذهان ذوي القربى !!! ولذلك أرجو أن يعد كلامي هذا من قبيل كلام غير ذوي القربى… ولكنِّي لا أستطيع أن أنكر أبداً أنَّه لو كان عدو أمتي قد ورد عليه ما ورد إلى العرب، وهدر ما هدره العرب لما استطعت مطلقاً أن أشمت به، بل لما استطعت إلا أن آسف عليه، وربَّما أبكي عليه ألماً وحزناً، من قلب صادقٍ في حزنه وألمه!!!
بداية، لعلَّ كلَّ مواطن عربي من أدنى أداني الوطن إلى أقصى أقاصيه، بل تسع البشر، يتساءل: ما مقدار مداخيل العرب النِّفْط، هذه الثروة التي كثر الكلام فيها، كثر تعظيمها، وكثر التهويل في قيمتها ومردودها…
الحقَّ أنَّ الأرقام المتوافرة غير دقيقة، إلى جانب عدم خلوها من التناقض، ففي حين ذكرت صحيفة الفايننشل تايمز في مطلع التسعينات أنَّه «بين ارتفاع سعر النِّفْط عام 1973م ونهاية عقد الثمانيات تلقى العالم العربي (1.5) تريليون [أي مليون مليون] دولار بشكل عوائد نفطية»([2]). نجد أنَّ محمد حسنين هيكل يؤكِّد «أنَّ مبيعات النِّفْط العربي، خلال عشرين سنة خلت، بلغت ثلاثة تريليون دولار، المبلغ الذي لم يتجمع لدى أية إمبراطورية ـ في العالم ـ حتَّى الآن»([3]). ويذهب مصطفى بازركان إلى التَّساؤل قائلاً: «أين ذهبت الألف مليار [= ألف بليون] دولار عائدات النِّفْط السعودي خلال العشرين سنة الأخيرة أين ذهبت ؟؟!!»([4])، وتؤكِّد الإحصاءات الرَّسمية غير الموثوقة أنَّ عائدات الصادرات النِّفْطيَّة العربيَّة قد بلغت (129) مليار دولار في عام 1996م([5]) ، وبلغت (110) مليار دولار في عام 1997م([6])، أي نحو ترليون دولار كل نحو سبع سنوات. أمَّا التقارير الاقتصادية لصندوق النَّقد العربي، وتقارير منظمة الأقطار العربيَّة المصدِّرة للنفط فتقودنا إلى أنَّ عائدات النِّفْط العربي فيما بين عامي 1970م و1986م قد بلغت نحو (1,5) ترليون دولار([7]).
يبدو نَّ ثمَّة تناقضاً بين هذه الأرقام، ولكنَّه، على كلِّ حال وإلى حدٍّ ما، تناقض طفيف، ولا سيَّما إذا ما أخذنا بعين النَّظر عدم اشتراك فترات القياس إلا بتقاطعات لا تسمح في بعض الحالات باستنتاج وجه التناقض أو التضارب في الأرقام، ومهما يكن من أمر فإنَّ في مكنتنا القول، استناداً إلى المعطيات السابقة، وبعد إجراء بعض التقاطعات وسد الثغرات: إنَّ عائدات النِّفْط العربي وحدها في الثلاثين سنة السابقة، أي من عام 1970م حتَّى عام 1999م، لم تقلَّ في حال من الأحوال عن أربعة ترليون دولار، وإن كنتُ، لأسباب كثيرة، غير مطمئن إلى مصداقية هذا الرَّقم، ولا سيَّما أنَّ مثل ربع هذا المبلغ يملكه شخص عربي واحد الآن هو الأمير الوليد بن طلال الذي بلغت ممتلكاته النقديَّة والأصول النقدية والأموال غير المنقولة...، ونحو ربعه أيضاً كانت تملكه أسرة آل الصباح عند الاحتلال العراقي للكويت كما طالعتنا الصحف والمجلات حينها... فكيف ستصحُّ القسمة، وبأي حساب؟!!
وعلى افتراض قبولنا بهذا الرَّقم الفلكي من الدولارات التي أوقف ثلثها محرر الفايننشل تايمز مندهشاً ودفعه للتعليق باستغراب قائلاً: «ومع ذلك لم يظهر أي بلد عربي في جوار عتبة مرحلة الإقلاع الاقتصادي الذي تكشف في أقطار الشرق الأقصى بصورة نماء سريع»([8]). وعلَّق محمد حسنين هيكل مذعوراً أمام نحو نصف هذا المبلغ قائلاً: إنَّ هذا «المبلغ لم يتجمع لدى أية إمبراطورية ـ في العالم ـ حتَّى الآن (الآن هو آن التعليق)»([9])، هذا النصف الذي فاق ما رصد لمشروع مارشال، لإعمار أوربا بعد الحرب العالمية الثانية، بأضعاف مضاعفة.
فأين ذهب هذا المبلغ الأسطوري، وماذا استفاد العرب منه؟؟!!!
سؤال لا ينفكُّ الكثيرون عن طرحه بمزيد من الحسرة، وربَّما الألم، وربَّما شكَّل هاجساً يعصف دائماً بمخيلات بعضهم!
قبل الإجابة عن هذا السؤال لا بدَّ من الإجابة عن سؤال آخر سابق منطقياً على هذا السؤال وهو: هل هذا المبلغ أسطوريٌّ حقًّا؟
أيًّا كان الأمر، وقبل أي مقارنات يكفينا أن نعلم «أن الاحتياجات المالية لتمويل البنية التحتية في الدُّوَل العربية في السنوات العشر القادمة ـ الأولى من الألفية الثالثة ـ يقدر بنحو (250) مليار [= بليون] دولار»([10])، لنحكم بأنَّ هذا المبلغ أسطوريٌّ حقًّا، لأن ربع ربعه يقيم دنيا العرب ويضمن حسن ختامهم.
ولكن، إذا علمنا أنَّ النَّاتج القومي للولايات المتحدة الأمريكية قد كان في عام 1993م نحو (6.259) ترليون دولار، وارتفع في عام 1997م إلى (7.783) ترليون دولار. وأنَّ النَّاتج القومي لليابان في عام 1993م كان (4.214) ترليون دولار، وارتفع في عام 1997م إلى (4.812) ترليون دولار. فيما راوح النَّاتج القومي الإجمال للوطن العربي كله في مكانه إذ بلغ (323) مليار [= بليون] دولار في عام 1993م، وزاد ملياراً [=بليوناً] واحداً خلال الأربع سنوات التالية فبلغ (324) مليار دولار في عام 1997م([11]). كما في الجدول التالي:
الجدول رقم (10) النَّاتج القومي الإجمالي للولايات المتحدة واليابان والوطن العربي في عامي 1993م و1997م مقدَّراً بمليار دولار أمريكي([12]) | | | | | | | | | | | | | | | | | | | |
البلد العام | الولايات المتحدة الأمريكية | اليابان | الوطن العربي | | | | | | | | | | | | | | | | | | | |
عام 1993م | 6259.9 | 4214.2 | 323 | | | | | | | | | | | | | | | | | | | |
عام 1997م | 7783.1 | 4812.1 | 324.2 | | | | | | | | | | | | | | | | | | | |
| | | | | | | | | | | | | | | | | | | |
يبدو لنا من خلال المعطيات المقارنة في هذا الجدول أمران على أقل تقدير، أوَّلهما أنَّ المبلغ الذي ظنناه أسطوريًّا ليس بأسطوري، وإنَّما أقل من عادي إذا ما قورن مع أحد اقتصادي أعظم دولتين اقتصاديًّا في العالم، وإن كانت المقارنة قاسية. بل ما هو من الضروري الانتباه إليه هنا، وهو ما نسف به حكمنا التقزيمي هذا ويجعله بلا معنى، هو أنَّ هذه المقارنة تقف عند خلاصة سنوات نهائيَّة لميزانيات الدخل القومي، فيما المبلغ الذي ضاع أو الذي نتحدث عنه ممتد على سنوات متباينة من تباين أسعار الدولار وقيمته، فملايين الدولارات في السَّبعينات ليست هي ذاته في الثَّمانيات ولا هي ذاتها في التِّسعينات.
ولكن، وفي الوقت ذاته، يبدو عدم مصداقيَّة المعطيات المنشورة تقارير الأمم المتحدة، ولأسباب كثيرة، أوَّلها أنَّ هذه الأرقام ليست حقيقية بالضرورة لأنَّ مصادرها هي الدُّوَل صاحبة الشَّأن وليس ثمَّة مقاييس ولا معايير تسمح بالوقوف على مدى مصداقيَّة هذه الأرقام، ومنها أنَّ عائدات النِّفْط العربي وحدها حسب بعض التقارير، في تلك الفترة، تربو على هذا النَّاتج القومي العربي كله، وحسب التَّقارير الرَّسمية عن تلك الفترة فإنَّ عائدات النِّفْط وحدها أكثر من نصف هذا النَّاتج القومي، وهذا ما ينطوي على شيء من التناقض إذ كيف يتَّسق، في هذا السياق مثلاً، «أنَّ عائدات النِّفْط العربي كلها في عام 1999م قد بلغت نحو (110) مليارات دولار»([13])، فيما «العائدات النِّفْطية وحدها للسعودية وحدها قد بلغت (204) مليار دولار في عام 1997م، ونحو (200) مليار دولار في عام 1998م»([14])، وحسب تقديرات التَّقرير السنوي الذي تعده المخابرات المركزية الأمريكية تحت عنوان (حقائق العالم) بلغ النَّاتج القومي السُّعودي 191 مليار دولار في عام 1999م([15])، مع ذلك فإنَّ «الناتج القومي العربي في العام ذاته، حسب التقرير الاقتصادي العربي، ومثله لعدة أعوام سابقة، قد ناف عن (589) مليار دولار»([16])؟؟ ومن جهة أخرى أيضاً فإنَّ الوثبات في إنتاج النِّفْط بشكل خاص وفي تطور الإنتاج القومي العربي في تلك الفترة كانت بعشرات المليارات فكيف يراوح مؤشر الإنتاج القومي العربي في تلك الفترة عند زيادة بليون واحد ؟!!
والذي يؤكِّد تناقض هذه الأرقام وعدم مصداقيتها مؤشرات ومعطيات كثيرة، منها ما يكشف عن بعض جوانب تبديد الثروة العربية الهائلة، ولو أننا تتبعنا هذا الموضوع تتبعاً دقيقاً منذ عشر سنوات فقط لكانت لدينا من المعطيات الكثير الكثير الذي يحضر بعضه في أهاننا، ولكن يغيب التوثيق، ولذلك حسبنا ما حضر توثيقه، وهو على قلَّته ليس بالسَّهل تعقله أبداً:
ففي الدرجة الأولى ليس من العسير على المستثمرين الغربيين تبديد هذه المبالغ وتضييعها بوسائل متعددة ومتباينة، فهناك ـ كما قال نقولا سركيس مدير عام المركز العربي للدراسات النِّفْطية: «الخسائر النَّاتجة عن غبن الشركات وسيطرة الدُّوَل الصناعية، تلك الخسائر التي تحققت ضمن ألف باب وباب، فمنها على سبيل المثال ما يتعلق بانهيار الأسعار، وقد فقدت منظمة الأوبك جرَّاء انهيار أسعار النِّفْط بين أعوام 1986م ـ 1989م أكثر من (200) مليار دولار»([17]). ولا ننسى في هذا الصدد فقدان الأوبك «نصف القوة الشِّرائية للدولار جرَّاء انهيار أسعار صرفه بَيْنَ أعوام 1985م ـ 1989م. ونصف القوة الشرائية لما تبقى من إيراداتها عام 1982م نتيجة ارتفاع صادرات الدُّوَل الصناعية»([18]). وقد «خسرت البلدان العربية (929) مليار دولار فيما بَيْنَ عامي 1987م و 1998م بسبب السياسة النِّفْطية لبعض دول الخليج»([19]). وفي كل ذلك ما يؤكِّد أنَّ مبلغ (4000) مليار [= بليون] دولار، أي الأربعة تريليونات دولار أقل بكثير جدًّا من العائدات الحقيقية للنِّفط، والحقيقة أننا نركز هنا على العائدات النِّفْطية لا لسبب إلاَّ لأنَّ الدُّوَل النِّفْطية هي وحدها التي تحقق فائضاً في الميزان التجاري بين الدُّوَل العربي التي تقع كلها تقريباً في عجوز كبيرة في الميزان التجاري.
وفي مسلسل الهدر والخسائر نقف على بعض الأرقام البسيطة التي تمكنا من الحصول عليها، وكلها حسب المصادر الرسمية التي نصرُّ على عدم الثقة فيها، فقد ذكرت صحيفة الحياة أنَّ العرب لعدم فهمهم حقَّ استرجاع الضريبة المضافة فقط، هذا الحق الأيسر من اليسير والأقل من القليل، يخسرون (250) مليون دولار سنويًّا([20])، ومنها حسب تقدير نشرة الأنباء العربية اليومية أن العرب خسروا في عام 1999م بسبب انخفاض أسعار النِّفْط فقط (33) مليار دولار([21])……ولن نطيل الحديث في الإنفاقات الفلكلية من السَّائحين العرب في العالم التي منها حسب تقديرات رسمية غير دقيقة وغير موثوقة، أن العرب الذين يزورون أوربا سنويا يتجاوز (1.5) مليون زائر، ينفقون أكثر من (1.8) بليون دولار([22])، أي بمعدل (1200) دولار للسائح العربي الواحد، وهذا كلام لا معنى له منطقيًّا ولا واقعيًّا لأنَّ الألف ومئتي دولار هذه ليست أكثر من ثمن بطاقة سفره في أيِّ وسيلة نقلٍ كانت إلى أوربا، ويبدو عدم اتِّساق هذا الرَّقم مع المنطق والواقع من خلال التَّقديرات التي أعدَّتها منظمة السِّياحة العالميَّة التي تقول: «إنَّ الإنفاق السياحي السعودي في الخارج مرشح للارتفاع إلى أكثر من 40 مليار [= بليون] دولار مع حلول عام 2005م، في مقابل 31 مليار في الوقت الحاضر»([23])، ولا ينفق من هذا المبلغ في الوطن العربي أكثر من نصف المليار دولار بكل الأحوال.. هذا للسعوديين وحدهم، فهل وحدهم من العرب هم الذين يعرفون فنون السياحة؟… وغير ذلك: أين ذهبت تلك المبالغ الخيالية التي ينفقها كثير منهم في أماكن ومناسبات مختلفة وكثيرة سياحية فقط كما تطالعنا الصحف والمجلات، ولا سيَّما أنَّ الذين يذهبون إلى أوربا من السُّياح العرب هم الأكثر ثراءً منهم؟؟!!
ومما يتضافر مع ما ذكرنا ويؤكِّده أيضاً الأموال العربية المهربة والمستثمرة خارج الوطن العربي، وليس لدينا في حقيقة الأمر أية معطيات حقيقية أو دقيقة، شأننا في ذلك كشأننا مع العائدات العربية، فقد ذكر الدكتور عدنان مصطفى في مطلع التسعينات من القرن العشرين «أنَّ رجال الأعمال العرب، في الأقطار العربية الغنية، دون حكوماتها، يدَّخرون في الخارج (120) مليار دولار، ويعتقد بأنَّ أمثالهم من الأقطار العربية الفقيرة يدَّخرون ما لا يقلُّ عن (50) مليار دولار»([24]). ولن نناقش مدى مصداقية هذا الرَّقم لأنَّ المعطيات قد تغيرت كثيراً وإن ظلَّت غير كاملة ولا دقيقة، ففي عام 1996م ذكرت صحيفة الحياة أنَّ الأسواق العربية تجتذب فقط (50) بليون دولار من أصل (670) بليون دولار من الأموال العربية المستثمرة في الخارج في مطلع التسعينات([25]). أمَّا في أواخر التسعينات فتشير «تقارير إحصائية موثوق [فيها] ـ حسب زعم صحيفة القدس العربي ـ إلى أنَّ حجم الأموال العربية خارج الوطن العربي وصل إلى (850) مليار دولار ... تدعم اقتصاد العالم الغربي بشكل خاصٍّ، بينما حالنا [نحن العرب والمسلمون] لا يحتاج إلى إشارة»([26]).
قلت حسب زعم الصحيفة لأنَّ هذا الرَّقم (الموثوق فيه) خالٍ من المصداقيَّة أيضاً، والذي يؤكِّد ذلك أكثر من سبب:
أولاً: أنَّ الغالبية العظمى من المبالغ المودعة في الخارج تتمتع بالسِّريَّة، ولذلك من المتعذَّر الكشف عنها.
ثانياً: أنَّ الأمير الدكتور نايف بن فواز الشعلان رئيس مجلس إدارة كنـزبنك؛ أول بنك برأسمال عربي في سويسرا، قد أكَّد «أنَّ مجموع الأموال العربيَّة المهاجرة لكلٍّ من القطاع الحكومي والخاص تصل إلى (5.1) ترليون دولار وليس (800) مليار كما كان يعلن من قبل في بعض وسائل الإعلام، وبيَّنَ أنَّ تأسيس البنى التحتية للبلدان العربية يحتاج إلى نحو (150) مليار دولار»([27]). وفي عام 2005م خرجت علينا صحيفة الحياة اللندنية بتقرير يقول: «إنَّ الأموال العربيَّة المودعة في الخارج تفوق 1200 مليار دولار»([28])، أي ترليون ومئتي مليار دولار. والأكيد في ذلك هو أنَّ المبلغ أكثر بكثير ترليون ومئتي مليار دولار. إذ بعد أيَّام من هذا الخبر «أشارت بعض التَّقارير إلى أنَّ الأموال العربيَّة المودعة والمستثمرة في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها يتراوح وفق تقديرات مختلفة ما بَيْنَ 800 مليار 3 ترليون دولار»([29]). وينسجم هذا الرقم إلى حدٍّ ما مع تقديرٍ سابق عليه بسنوات ثلاث إذ أكَّد هذا التقرير أنَّ «الأموال العربية والسُّعودية المودعة أو العاملة في الأسواق الأمريكية تزيد عن ثلاثة آلاف مليار دولار»([30]) أي ثلاثة تريليونات دولار. وهذا هو الأرجح في الحدود الدنيا، فإن كان هذا هو المبلغ عام 2002م فهل بقي كما كان منذ ثلاث سنوات؟
وفوق ذلك كله من المؤكَّد أنَّ الودائع والاستثمارات العربيَّة ليست موجودةً فَقَطْ في الولايات المتَّحدة، فمثلها على الأقل موجودٌ في الدُّول الأوربيَّة، وفي هذا ما يؤكِّد مصداقيَّة التَّقدير الذي قدَّمه الدُّكتور نايف بن فواز الشَّعلان في عام 2001م الذي ذكرناه قبل قليل. ولكن مع ترجيح أنَّ هذا التقدير هو الحد الأدنى قبل أربع سنوات لا نشكَّ في أَنَّهُ أوشك على التضاعف تقريباً.
ثالثاً: أنَّ الواقع لا يتفق مع هذه الأرقام مطلقاً، فالوليد بن طلال؛ سادس أغنى رجل في العالم، وهو العربي الوحيد الذي يسمح أن يذكر اسمه بَيْنَ أغنياء العالم، يملك وحده مثل هذا المبلغ، حسب كلامه هو وفي أكثر من موقع ومكان، «فقيمة موجودات الشركات التي يملكها (800) مليار دولار.
ـ وإجمالي أرباحها (17) مليار دولار»([31]).
ـ (25%) منها فقط ضمن الوطن العربي. (75%) منها خارج الوطن العربي»([32]).
والوليد بن طلال ليس المستثمر العربي الوحيد خارج الوطن العربي، إنه واحد من عشرات وربما من مئات، هذا من جانب، ومن جانب آخر أن هذا المبلغ، حتَّى الذي ذكره الأمير نايف، يشير فقط إلى الأموال المستثمرة أو المعلنة من دون الأموال المهربة والحسابات السرية. ولذلك عندما زعم أحد المفكرين في محاضرة ألقاها في مطلع الألفية الثالثة إنَّه قرأ في مجلة ألمانية في بحر عام 1999م أنَّ الأموال العربية المهربة إلى الخارج تربو على (120) ألف مليار دولار، أي (120) ترليون دولار، أي (120) مليون مليون دولار... لم يصفِّر أحد دهشة، ولم تبدو أية علامة استغراب، على الرُّغم من هول هذا الرَّقم وأسطوريته المتجاوزة حدود الخيال وآفاقه وقدراته.
وعلى الرُّغم من ذلك كله تطالعنا بعض المجلات العربية على أرقام مؤسفة من العجز في ميزانيات الدُّوَل العربية الثريَّة بشكل خاص ـ لأنَّ الدُّوَل الفقيرة تغرق في الديون والعجز منذ زمن بعيد إذ بلغت «ديون هذه الدُّوَل في عام 1988م نحو (140) مليار [= بليون] دولار»([33]) ـ ومن ذلك على سبيل المثال أن الكويت حتى منتصف عام 1998م كانت تقع في عجز قدره (6) مليارات دولار([34])، وحتى الفترة ذاتها كانت السعودية، حسب التقديرات الرسمية، تقع في عجز قدره (10) مليارات دولار([35])، ونقرأ في خبر رسمي المصدر أيضاً أنَّ دول الخليج العربي تقع في عجز مقداره (20) مليار دولار([36]). وفي مطالع عام 1998م طالعتنا صحيفة تشرين السورية بخبر يقول إنَّ الديون العربية تزيد (50) ألف دولار في الدقيقة([37])، أي، ومن دون خدمات الديون، أي تراكمات الفائدة، نحو مليار ومئة مليون دولار سنوياً، وعلى هذا الأساس كان من المتوقع أن تبلغ الديون العربية، من دون الطفرات والطوارئ، في عام 2000م نحو (262) مليار دولار([38])، ولكِنَّها في حقيقة الأمر زادت عليه بنحو الضعف بلغ نصيب السعودية وحدها من هذه الديون، كما أعلن وزير المالية السعودي في تقرير عرض الميزانية عام 2001م أنَّ الدَّيْنَ السُّعودي قَدْ بلغ للعام الثاني (600) مليار ريال سعودي أي ما يعادل (170) مليار دولار، وبلغت الديون العربية حسب التقارير الرسمية نحو «(410) مليار دولار»([39])، وقيمة خدمة الديون العربية أكثر من (151.4) مليار دولار([40]).
وأخيراً:
أليس العرب مذهلون حقًّا؟ ألا يسلبون العقول بما يمتلكونه من القدرة على الإدهاش، والإدهاش الفعليِّ؟
لا شكَّ في أنَّهم مدهشون! مذهلون… مذهلون حقًّا!!
ولكن من منهم المذهلون؟ أهم النوابغ الذين استطاعوا أن يشكلوا مفاصل مهمة في السيرورة الفكرية والعلمية والاقتصادية في مختلف أسقاع العالم الواقعة خارج الوطن العربي؟ أم هم القابعون في الوطن، الذين أخرجوا هؤلاء العباقرة، وأخرجوا ثروات الوطن؟؟!!
________________________________
([1]) ـ نشر هذا البحث لأول مرة جزءاً من بحث أكبر حمل عنوان: العرب هؤلاء المذهلون؛ قراءة في الكفاءات العلمية والماديَّة المستنزفة ـ مجلة المعرفة ـ وزارة الثقافة ـ دمشق ـ العدد 448 ـ كانون الثاني 2001م.
([2]) ـ د. عدنان مصطفى: أزمة البحث العلمي؛ هل إلى خروج من سبيل؟ ـ ضمن مجلة؛ شؤون عربية ـ الجامعة العربية ـ القاهرة ـ العدد 65 ـ نيسان/ إبريل 1991م ـ ص9.
([3]) ـ جريدة: الوطن ـ الكويت ـ عدد 1/ 2/ 1990م.
([4]) ـ مصطفى بازركان (خبير نفطي واقتصادي): في برنامج أكثر من رأي في محطة الجزيرة الفضائيَّة يوم الثلاثاء 23 شباط 1999م.
([5]) ـ جريدة؛ الاتحاد ـ أبو ظبي ـ عدد الاثنين 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 1997م.
([6]) ـ جريدة؛ الحياة ـ لندن ـ الأحد 12 تموز/ يوليو 1998م ـ العدد 12913.
([7]) ـ عبد الحميد محفوظ الزقلعي: اسـتثمار رؤوس الأموال العربية في الدُّوَل العربية ـ ضمن مجلة؛ شؤون عربية ـ القاهرة ـ العدد 65 ـ نيسان/ أبريل 1991م ـ ص50ـ 51.
([8]) ـ د. عدنان مصطفى: أزمة البحث العلمي؛ هل إلى خروج من سبيل؟ ـ ص9.
([9]) ـ جريدة: الوطن ـ الكويت ـ عدد 1/ 2/ 1990م.
([10]) ـ جريدة؛ البيان ـ العدد 6981 ـ تاريخ 30 تموز/ يوليو 1999م.
([11]) ـ تقرير التنمية البشرية لعام1996، وعام 1999م ـ الأمم المتحدة.
([12]) ـ تقرير التنمية البشرية للأمم المتحدة لعامي 1996م و1997م.
([13]) ـ التقرير الاقتصادي العربي، نقلاً عن جريدة؛ الاتِّحاد ـ أبو ظبي ـ العدد 8954 ـ الاثنين 10كانون الثاني /يناير 2000م.
([14]) ـ جريدة؛ البعث ـ دمشق ـ الأربعاء 7/ 1/ 1998م ـ العدد 10514.
([15]) ـ سمير كرم: عندما يتسول الأثرياء ـ ضمن جريدة الكفاح العربي ـ عدد 13/9/2000م.
([16]) ـ التقرير الاقتصادي العربي، نقلاً عن جريدة؛ الاتِّحاد ـ أبو ظبي ـ العدد 8954 ـ الاثنين 10كانون الثاني /يناير 2000م.
([17]) ـ جريدة: البعث ـ دمشق ـ عدد 2/ 3/ 1990م.
([18]) ـ جريدة: القبس ـ الكويت ـ عدد 25 / 4/ 1990م.
([19]) ـ أحمد أبو صالح: من السبب وراء انهيار أسعار النِّفْط؟ ـ صحيفة؛ الأسبوع ـ العدد 109 ـ الاثنين 26 ذي القعدة الموافق لـ 15 آذار 1999م ـ ص7.
([20]) ـ جريدة؛ الحياة ـ الأحد 19 نيسان/ أبريل 1998م ـ العدد 12829.
([21]) ـ جريدة؛ الكفاح العربي ـ الخميس 22 تموز/ يوليو 1999م ـ العدد 2335.
([22]) ـ جريدة؛ الحياة ـ الأحد 19 نيسان/ أبريل 1998م ـ العدد 12829.
([23]) ـ انظر: مجلة الوسط ـ لندن ـ العدد 450 تاريخ 19 جمادى الآخرة 1421هـ/ الموافق لـ 11 أيلول 2000م ـ ص42.
([24]) ـ د. عدنان مصطفى: أزمة البحث العلمي؛ هل إلى خروج من سبيل؟ ـ ص9ـ10.
([25]) ـ جريدة؛ الحياة ـ الأحد 11 شباط/ فبراير 1966م ـ العدد 12014.
([26]) ـ جريدة: القدس العربي ـ القاهرة ـ العدد 423 ـ تاريخ 6 / 8/ 1999م.
([27]) ـ جريدة تشرين ـ العدد 8008 ـ الأحد 27 صفر 1422هـ الموافق لـ 20أيار 2001م.
([28]) ـ مشروع لاسترجاع 1200 بليون دولار قيمة الأموال العربية المودعة في الخارج ـ جريدة الحياة ـ عدد السبت 9 صفر 1426هـ الموافق لـ 19 آذار 2005م.
([29]) ـ أشار إلى هذا التقرير أحمد منصور في برنامجه بلا حدود في لقاء مع الدكتور جواد العاني عن الاقتصاد الأمريكي. يوم الأربعاء 13 صفر 1426هـ الموافق لـ 23 آذار 2005م.
[30] ـ عقيل الشيخ حسين: مليون مليار دولار فقط لا غير! ـ جريدة الانتقاد ـ بيروت ـ العدد 967 ـ الجمعة 22/ 8/ 2002م.
([31]) ـ حسن صبرا: حوار مع الوليد بن طلال ـ ضمن مجلة؛ الشراع ـ بيروت ـ العدد 897 ـ 1999م ـ ص1 ـ 5 ـ 19 من الملف.
([32]) ـ م. س ـ ص13.
([33]) ـ د. عدنان مصطفى: أزمة البحث العلمي … ـ ص9.
([34]) ـ جريدة؛ الميزان ـ عدد أيلول/ سبتمبر 1998م.
([35]) ـ جريدة؛ الميزان ـ عدد آب/ أغسطس 1998م.
([36]) ـ جريدة؛ أخبار اليوم ـ السبت 23 كانون الثاني 1999م.
([37]) ـ جريدة؛ تشرين ـ العدد 7007 ـ الأحد 11/ 1/ 1998م.
([38]) ـ م. س ت ذاته.
([39]) ـ أحمد الخشن: العرب والقرن الواحد والعشرون ـ ضمن جريد؛ الاتحاد ـ أبو ظبي ـ العدد 8977 ـ في 2/2/ 2000م ـ ص7.
([40]) ـ التقرير الاقتصادي العربي، نقلاً عن جريدة؛ الاتِّحاد ـ أبو ظبي ـ العدد 8954 ـ الاثنين 10كانون الثاني /يناير 2000م.
صحافة ضد المقاومة: جريدة الشرق الأوسط أنموذجا
د. أحمد بن راشد بن سعيّد * 1/4/1426 09/05/2005
مقدمة
صحيفة الشرق الأوسط واحدة من أبرز الصحف العربية, وتقدم نفسها للعرب وللعالم بصفتها (جريدة العرب الدولية). تتخذ الصحيفة مواقف مثيرة للجدل, لاسيما ما يتعلق بالقضايا الكبرى للعرب كفلسطين والعراق والظاهرة الموسومة بالإرهاب. وتولي في تناولها الإخباري والتحليلي اهتماما كبيرا للحركات الإسلامية والناشطين الإسلاميين, واصفة الظاهرة الإسلامية عموما وبلا تمييز بالتطرف والأصولية, وربما كان هذا الموقف سببا في فقدانها كثيراً من الصدقية والاحترام في أوساط تيارات إسلامية وشعبية عديدة لاسيما في السعودية والخليج. وما زاد الطين بلة احتضان الصحيفة لكتاب رأي من التيار الموصوف بالليبرالي, وضعف الرأي الآخر في الصحيفة, واللغة المتشنجة التي يستخدمها هؤلاء الكتاب في تناولهم للقضايا المتصلة بالإسلام والمنتمين إليه. والصحيفة لا تضيق فقط باتجاهات الإسلام السياسي كما تسميها, ولا بتسييس الدين فقط كما يردد بعض كتابها ومحرريها, بل تضيق حتى بالمظاهر والشعائر الإسلامية كتحفيظ القرآن الكريم, والعمل الخيري والإغاثي, وارتداء الحجاب. وقد اتخذت الصحيفة مواقف مؤيدة للحكومة الفرنسية في حملتها لحظر الحجاب في المدارس الرسمية الفرنسية, واختفى تقريبا أي رأي مضاد, سواء في التناول الإخباري, أو في الرأي والتحليل. عبد الرحمن الراشد رئيس تحرير الصحيفة تبنى وقتها الموقف الفرنسي, داعيا إلى تفهم "الدوافع الحقيقية للقرار" الذي يرمي إلى "تخفيف مظاهر التدين" وهو ما سيخدم وضع المسلمين الفرنسيين على المدى البعيد كما قال( 15 كانون الثاني / يناير 2004). وفي مقال آخر أكثر وضوحا بعنوان "حاربوا التطرف لا الحكومة الفرنسية" أكد الراشد أن مظهر المسلمين البارز "يوحي بالتطرف فكرا وكلاما ولبسا" وأن على المثقفين العرب محاربة الإرهاب والتطرف بدلا من الطعن في نوايا الحكومة الفرنسية(3 شباط / فبراير 2004).
لكن أبرز ما يثير التساؤل هو موقف الصحيفة من حيث تناولها الإخباري والتحليلي من المقاومة في فلسطين والعراق, البلدين العربيين الواقعين تحت الاحتلال المباشر, وهو ما تناقشه جزئيا هذه الورقة.
المنهج
ستقتصر هذه الورقة على تناول صفحات الرأي في صحيفة الشرق الأوسط للمقاومة في فلسطين والعراق, ولن تتعرض لتناولها الإخباري. تنطلق الورقة من فرضية أن أعمدة الرأي في الصحيفة تقف في مجملها ضد نهج المقاومة وممارستها وثقافتها. وينبثق من هذه الفرضية السؤال التالي: هل أعمدة الرأي في صحيفة الشرق الأوسط تقف ضد نهج المقاومة وثقافتها في فلسطين والعراق؟
للإجابة عن هذا السؤال, فإن الباحث انتقى كاتبين يوميين وكاتبين أسبوعيين من كتاب الصحيفة, وحلل مضمون إنتاجهم في فترة محددة تحليلا كيفيا. الكاتبان اليوميان هما عبد الرحمن الراشد, وأحمد الربعي, والكاتبان الأسبوعيان هما صالح القلاب, ومأمون فندي. لم يكن هناك مفر من اختيار الكاتبين اليوميين المذكورين, لأنهما الوحيدان اللذان يكتبان بصفة شبه يومية في الصحيفة. أما الكاتبان الأسبوعيان فوقع الاختيار عليهما عمدا لاعتقاد الباحث أنهما من أكثر الكتاب تناولا لقضيتي العراق وفلسطين. كانت فترة الدراسة التي وقع عليها الاختيار هي الواقعة بين الأول من تموز (يوليو) و الحادي والثلاثين من كانون الأول (ديسمبر) عام 2004, وهي الفترة التي اشتدت فيها ضراوة المقاومة العراقية, ولم تتوقف الانتفاضة المشتعلة في فلسطين, رغم استشهاد الشيخ أحمد ياسين, والدكتور عبد العزيز الرنتيسي, و رحيل السيد ياسر عرفات, وما تبع ذلك من ابتهاج إسرائيلي وأميركي محموم ومفتعل بانحسار الانتفاضة, وتراجع خيار المقاومة. شملت الدراسة كل ما نشرته صحيفة الشرق الأوسط لهؤلاء الكتاب, مما له علاقة بشأن المقاومة في فلسطين والعراق. كان مجموع مقالات عبد الرحمن الراشد التي تم تحليلها 24 مقالا, وكان مجموع ما تم تحليله من مقالات الربعي 28 مقالا, أما صالح القلاب, فبلغ مجموع مقالاته المدروسة 6 مقالات, فيما بلغت مقالات مأمون فندي التي تمت دراستها 5 مقالات.
مناقشة
عبد الرحمن الراشد
ينطلق الكاتب اليومي عبد الرحمن الراشد في كتاباته من تعاطف واضح مع السياسة الأميركية في المنطقة, وفي العراق تحديدا, وهذا التعاطف دفعه لانتقاد المقاومة, والتقليل من شأنها, والسعي لربطها بالعدمية والعبث. ومن منطلق الواقعية يطالب الراشد دائما بالرضوخ والاستسلام وعدم مصادمة العالم, كما يردد كثيرا, والعالم كما يراه هو الولايات المتحدة والدول الغربية.
في عموده المنشور في العاشر من تموز(يوليو) ناقش الكاتب الهجوم الذي شنته بعض الصحف البريطانية على الدكتور يوسف القرضاوي, واحتجاجها على السماح له بدخول بريطانيا, وأيد مواقف هذه الصحف قائلا إن ارتباط اسم الشيخ بتنظيم الإخوان المسلمين "جعله ينظر إلى العالم من نافذة الحزب أكثر من واقع الأمة وقدراتها وحاجاتها", وإنه من الشيوخ الذين "يحرضون الشباب على القتال, وهم لم يغادروا بلدانهم, ولا يسمحون لأولادهم بالشيء نفسه". وأضاف قائلا إن القرضاوي "من أكثر الدعاة إلى الحرب والمواجهة, لكنه يعيش في قطر في بيت مكيف". والراشد يقصد بالحرب والمواجهة هنا المقاومة المشروعة في فلسطين والعراق, فهو يرى أنها ضرب من العنف أو الإرهاب الذي يستحق هو نفسه الإدانة والمقاومة. ويؤكد هذا المعنى في كلامه عن القرضاوي, عندما ينتقد موقف الشيخ من اليهود, وينقل عنه قوله: "اليهود كطائفة ظلمهم واضح بين.. ظلم عظيم, وظلم لا نظير له, وظلم مكشوف.. لا نحاور هؤلاء [اليهود] وأيديهم ملوثة بدمائنا". وعلق الراشد على ذلك بقوله إن القرضاوي سياسيا "يمثل أقصى التطرف بكل أسف".
في عموده المنشور في الثاني عشر من تموز (يوليو) كتب الراشد مقالا بعنوان (ليس جدارا عنصريا) انتقد فيه من يقولون إن هدف الجدار الذي تبنيه إسرائيل في الضفة الغربية المحتلة هو التمييز العنصري ضد الفلسطينيين, لأن "إسرائيل تستطيع أن تفند دعوى تهمة العنصرية بالتذكير أن أكثر من مليون من "مواطنيها" في داخل إسرائيل هم فلسطينيون, ويعيشون معها نصف قرن, ويحملون هوياتها, وتدعي أن لهم نفس الحقوق الممنوحة لليهودي الإسرائيلي". ودعا الراشد إلى عدم الانشغال بموضوع الجدار, والاهتمام "بتفعيل التفاوض, وإعادة الكرة مرة بعد أخرى".
في مقاله المنشور في 17من تموز (يوليو) انتقد الراشد ما وصفه "بالغضبة المضرية" من نبيل أبو ردينة, مستشار الرئيس ياسر عرفات على تيري رود لارسن, مبعوث الأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط. وأكد أن لارسن ليس تافها ولا مشبوها كما قال أبو ردينة, وأن تقريره عن قرب انهيار السلطة الفلسطينية "يصب حقيقة في صالح الفلسطينيين".
في عموده المنشور في من 26 تموز (يوليو) تحدث الراشد عما يحدث في العراق, منتقدا "المقاومة" ضد الأميركيين, قائلا إن الحرب هناك "بدأت بمقاومة, ثم أصبحت أرضا تجتذب أفراد تنظيم القاعدة الذي يجمع عناصره, وتقدر بالآلاف من المجندين القدامى والجدد".
في 28 من تموز (يوليو) أكد الراشد المعنى ذاته قائلا "إن جزائريين ومغاربة وخليجيين ولبنانيين وفلسطينيين ويمنيين وسودانيين ينشطون في العراق", وإن "هوية جيش المتطرفين" الذي يتشكل هناك لا ينتمي إلى القاعدة وحدها, "بل صار مظلة تضم تنظيمات متطرفة مختلفة تعمل منفصلة في ثلاث قارات, تجتمع الآن ولأول مرة على أرض واحدة. هذه جميعها تلتقي في رؤيتها المناهضة للواقع السياسي معتبرة جميع الأنظمة كافرة, ولا بد من مواجهتها".
في 3 من آب (أغسطس) كان عنوان عمود الراشد "هل هي المقاومة التي عنها تدافعون؟". تساءل الكاتب وأجاب في ثنايا عموده مؤكدا أن المقاومة العراقية "تريد أن تخلق مناخا عاما من الفوضى, وتحيل البلاد إلى قطع متناثرة, تتيح لها فرصة إدارتها مكسرة". وتبنى المقترح الأميركي بإرسال قوات عربية وإسلامية إلى العراق, وقال إن هدف هذه القوات هو "محاصرة الإرهاب, وليس مقاومته عسكريا".
في 15 من آب (أغسطس) كان عنوان عمود الراشد "علاوي أن يكون أو لا". وصف الكاتب جيش المهدي بالميليشيا, ووصف المقاومين في مدينة الفلوجة بأنهم "فرقة الرعب", وقال إن حكومة علاوي تدير "معارك حاسمة" ضد هؤلاء وأولئك, فإما أن تثبت " أن لها سلطة على كل شبر من البلاد, أو ستنتهي محاصرة في العاصمة. وهذا الحسم بالتأكيد في صالح الجميع". وأضاف أنه إذا "فشلت الحملة العسكرية الحالية سنرى عراقا ممزقا, وحركات تنشق عن أخرى.." وأن نجاح الحملة سيخدم كل دول الجوار, ولذا يجب أن تكون "سريعة وحاسمة وبأقل قدر من الأضرار".
في عموده المنشور في 21 من آب (أغسطس) أكد الراشد أنه لا يوجد خيار أمام حكومة علاوي, "إلا أن تثبت قدرتها على الأرض", أو "سينتهي العراق دولة مساحة نفوذها لا تتجاوز المنطقة الخضراء في بغداد".
في 22 من آب (أغسطس) عاد الكاتب إلى الشأن الفلسطيني, وكتب مقالا بعنوان " أنقذوا عرفات". انتقد فيه الرئيس الفلسطيني, مؤكدا أنه "ارتكب أخطاء جسيمة في تاريخه, حروبا في غير محلها, ومغامرات خاطئة, ورفض مشاريع سلام ثمينة". وهي التهم عينها التي ترددها إسرائيل والإدارة الأميركية ضد عرفات.
كتب الراشد في 24 من آب (أغسطس) مثنيا على نتائج الاحتلال الأميركي للعراق قائلا إن العراق انتقل بالاحتلال من" عهد صدام المحارب للدين ثلاثين سنة إلى انفتاح كامل يسمح للجميع بظهور حقيقي في الحياة العامة, بما في ذلك المراجع الدينية". كما أثنى الكاتب على الحكومة التي جلبها الاحتلال قائلا إنها "ابتعدت عن الانتماء لأي فريق ديني, بدليل أن معركتها ضد جبهة شيعية في النجف تأتي موازية لمعركتها ضد الجماعة السنية المتطرفة في الفلوجة".
في 28 من آب (أغسطس) احتفل الكاتب بخروج الزعيم الشيعي مقتدى الصدر من النجف, وكان عنوان عموده "هزيمة الصدر بداية لعهد جديد". قال الكاتب إن خروج الصدر من المدينة الشيعية المقدسة يمثل "نهاية فصل واحد مهم في معركة طويلة لبناء العراق الحديث".
كان عنوان عمود الكاتب في 4 من أيلول (سبتمبر) هو "الحقيقة المؤلمة أن كل الإرهابيين مسلمون". لم يصنف الكاتب ممارسات شارون في الأرض المحتلة في خانة الإرهاب, ولا ممارسات الإدارة الأميركية في أبو غريب وغوانتانامو, وحصر تهمة الإرهاب في المسلمين, تماما كما يرى الساسة الأميركيون والإسرائيليون. يقول الكاتب مرددا المقولات والإدعاءات الأميركية إن "الذين يمارسون عمليات اغتصاب وقتل في دارفور مسلمون". وينتقد الكاتب عمليات المقاومة الاستشهادية في فلسطين بطريقة غير مباشرة, فيقول: "..ومعظم الذين نفذوا العمليات الانتحارية ضد حافلات ومدارس وبيوت ومبان في أنحاء العالم في السنوات العشر الماضية أيضا مسلمون".
ويعلق الراشد على هذه الصورة التي رسمها متعجبا: "يا له من سجل سيىء, ألا يقول شيئا عن أنفسنا ومجتمعاتنا وثقافتنا؟". ويستمر في عملية جلد أو تدمير الذات هذه قائلا: "هذه الصور قاسية ومخجلة ومهينة لنا". ويقترح الراشد وصفة للعلاج تبدأ بالاعتراف بصحة هذه التهم كلها, ثم "مطاردة أبنائنا الإرهابيين" الذين هم "نتاج طبيعي لثقافة مشوهة". ويدعو الكاتب القراء إلى الاستماع للشيخ يوسف القرضاوي, الذي وصفه "بشيخ التلفزيون" زاعما أنه "أفتى جهارا بجواز قتل المدنيين الأميركيين في العراق". ويضيف: "تصوروا عالم دين يحث على قتل مدنيين, شيخ في أرذل العمر يحرض صبية صغارا على قتل مدنيين.. كيف لأب مثله أن يواجه أم الفتى بيرغ الذي ذبح ابنها نحرا لأنه جاء للعراق, للعمل في أبراج هندسية؟ كيف نصدقه عندما يقول لنا إن الإسلام دين رحمة ودين تسامح, وهو يحوله إلى دين دم؟". طبعا الراشد لم يتطرق إلى مذابح الفلسطينيين, ولم يورد اسم شهيد فلسطيني واحد, وهو بالمناسبة لم يعلق على جريمة قتل الشيخ أحمد ياسين, إلا بقوله "دعوا الانتقام" لأنه "عمل أعمى, والحرب لا يكسبها العميان" كما قال(28 آذار/ مارس 2004), ولم يعلق ألبتة على استشهاد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي. لم يتذكر الراشد أن للشهداء الفلسطينيين أيضا أسماء تسجل وتعلن, واكتفى فقط بذكر اسم الأميركي بيرغ.
في عموده المنشور في 21 من أيلول (سبتمبر) علق الراشد على منع السلطات الألمانية مؤتمرا فكريا عربيا بدعوى أنه سيجتذب متطرفين معادين للعولمة وللولايات المتحدة وإسرائيل, ورأى أن السبب يكمن في تغير "رؤية العالم تجاهنا, بسبب ما صدرناه لهم من مناظر بشعة تحملها المواقع الإلكترونية من حفلات إعدام, وتبثها محطات تلفزيون من أشرطة تهديد, ومؤتمرات تتدارس بإعجاب ومفاخرة أعمال التدمير". وحذر الكاتب من محاولة من وصفهم بالمتطرفين "ركوب القضية الفلسطينية العادلة, لاستغلالها في قضيتهم الدولية". وختم بالقول: "يخطئ الفلسطينيون والمؤمنون بالحق الفلسطيني عندما يخلطون القضايا, ويورطون قضيتهم في محرقة الإرهاب المحكوم عليها بالفشل". الراشد هنا لم يحدد بالضبط ما يعني بالإرهاب, والذي يبدو أنه يقصد العمليات الاستشهادية في الوطن المحتل, التي يصفها عادة بالانتحارية.
في مقال (البراغماتية السورية) المنشور في 23 من أيلول (سبتمبر) قال الكاتب إن براغماتية النظام السوري ساعدته عبر السنين في الخروج من كثير من المآزق, وإن "سورية البراغماتية هي التي لم تنجر30 سنة إلى مواجهات خاسرة مع إسرائيل". وهكذا حكم الكاتب على أن أي شكل من أشكال المقاومة أو رد العدوان أو محاولة تحرير الأرض هو ضرب من العبث أو الكفاح الخاسر. وختم الراشد عموده بالقول إن دمشق تواجه تهما "يسهل تفعيلها" مثل "إخفاء أسلحة دمار شامل, ووجودها العسكري على أرض دولة أخرى بصورة "غير مشروعة", واستضافتها تنظيمات "إرهابية"...", ما يجعل الخيارات التي أمامها "قليلة وخطيرة".
في 30 من أيلول (سبتمبر) انتقد الراشد تصريح وزير الخارجية الفرنسي ميشيل بارنيه الذي دعا فيه إلى إشراك قوى المقاومة العراقية في المؤتمر الدولي حول العراق, والذي التأم في شرم الشيخ بمصر في الثاني والعشرين من تشرين الثاني (نوفمبر) 2004. تساءل الراشد: "كيف يمكن أن تدعى للحضور مقاومة من الأشباح؟ هل سيصلون إلى القاعة ملثمين كما يظهرون على التلفاز مع ضحاياهم المخطوفين, أو المقطوعة رؤوسهم؟". وأضاف مهاجما المقاومة بأطيافها كافة, وبلا تمييز قائلا إن "المقاومة صاحبة السيارات الانتحارية والرؤوس المقطوعة ليست عراقية, وأيضا لا تعترف بالأمم المتحدة إلا كمنظمة للدول الكافرة, ومشروعها لن يتوقف إلا بقطع آخر رأس في العالم, لا العراق وحده". وتبنى الكاتب الخط الأميركي بالكامل بدعوته إلى دعم الحكومة التي نصبها الاحتلال الأميركي في العراق قائلا إن كان العراق " بحاجة إلى مؤتمر, فهو من أجل التأكيد على سلامة نظام شرعي يجمع ولا يفرق".
في 3 من تشرين الأول (أكتوبر) عاد الراشد مجددا إلى الشأن الفلسطيني, منتقدا الانتفاضة التي كانت "حجارة ومقالع من صبية الشوارع, ثم أصبحت صواريخ وسيارات مفخخة يقودها بالغون". يقول الراشد إن الانتفاضة نجحت في صيغتها الأولى, وأحرجت إسرائيل داخليا وخارجيا, لكن "بعد أن خطفت التنظيمات الانتفاضة تحولت إلى حرب مألوفة, كأي حرب أخرى في سيري لانكا وشمال نيجيريا وإيرلندا الشمالية, مواجهات بين طرفين متقاتلين. خسرت الانتفاضة براءتها ودعايتها بعد أن تبدلت مظاهرها الأولى من جنود إسرائيليين يقتلون أطفالا عزل إلى مسلحين فلسطينيين يقتلون أطفالا إسرائيليين". ساوى الراشد في كلامه بين الطرفين, المحتل الإسرائيلي, والفلسطيني الواقع تحت الاحتلال. ووصف المقاومين الفلسطينيين بالمسلحين, بينما وصف الإسرائيليين الذين يقتلون أطفال فلسطين بالجنود. ومضى الراشد منتقدا القيادات الفلسطينية قائلا إنها أخفقت إخفاقا كبيرا في استثمار الانتفاضة سياسيا, وإنها تنافست على أمر واحد وهو "التبرع بالشهداء مجانا". وأضاف أن الانتفاضة "متناقضة, تظهر محتارة, مرة مثل معارضة عراقية مسلحة, وتارة مثل تنظيم القاعدة".
في 9 من تشرين الأول (أكتوبر) كان عنوان عمود الراشد واضحا في دلالته: "التطرف من الفلوجة إلى طابا". الذي حدث إذن في الفلوجة من مقاومة للغزاة الأميركيين هو تطرف مشابه لتفجيرات طابا. يريد الكاتب أن يشوه وجه المقاومة العراقية بربطها بأعمال غير قانونية, أو مثيرة للجدل, أو موصومة بالتطرف. يقول في خلط واضح للأوراق: "لا يعقل أن نبرر الأعمال الإرهابية في انفجار, ونهاجمها في انفجار آخر, فهي مترابطة فكريا إن لم تكن مترابطة عضويا". ويضيف: "فلا فرق بين هجمات انتحارية في كابل أو الأنبار أو إسلام أباد أو الرياض أو الجزائر أو باريس أو دمشق أو طرابلس أو طابا. كلها تلتقي في حقيقة واحدة, منفذوها عقول متطرفة".
في 30 من تشرين الاول (أكتوبر) استخدم الراشد التوصيفات الأميركية للمشهد العراقي, فوصف المقاومة العراقية بأنها "بعثية", ووصف المقاومين بأنهم "متمردون" و"أصوليون".
في 13من تشرين الثاني (نوفمبر) بدأ الراشد مقالا من 3 حلقات بمناسبة رحيل الرئيس ياسر عرفات. كان عنوان السلسلة "ماذا بعد دفن عرفات؟". تبنى الراشد الرواية الإسرائيلية والأميركية بشأن عرفات قائلا: " عرفات كان طرفا في المشكلة", وغيابه "يمثل فرصة إيجابية". وانتقد الرئيس الراحل بقوله إنه مات عاجزا عن خوض "المعركة الصعبة" لأنه " كان يراعي كل الاحتمالات, وبالتالي اختار أن يخسر الفرص الثمينة من أجل أن يكسب الإجماع الفلسطيني". إذن كان على عرفات أن يكسر الإجماع, ويشق الصف الفلسطيني, ويذهب في طريق التنازلات إلى آخر مدى, وأن يقمع – كما يطالب الإسرائيليون والأميركيون – المنظمات التي ترفض الاستسلام للشروط الإسرائيلية. يطرح الراشد رؤيته أمام القيادة الفلسطينية الجديدة بقوله: "الامتحان الدموي آت للقيادة الفلسطينية التي سيتحدى سلطتها الخارجون عليها, وستواجه عمليات تمرد داخلية, وسيارات انتحارية في تل أبيب والقدس, وقتلى إسرائيليين بالعشرات, وبيانات فلسطينية تتهمها بالخيانة, وبيانات دولية تتهمها بالعجز, ومنظمات فلسطينية تعلن عزمها على قيادة الشأن الفلسطيني, والاقتتال للحصول على شعبية في الشارع الفلسطيني المأزوم والمحبط دائما".
في الحلقة الثانية دعا الكاتب الحكومات العربية إلى تأييد القيادة الفلسطينية الجديدة, مؤكدا أنه "مع غياب أبو عمار لم يعد هناك مبرر للتقاعس في دعم السلطة لتصبح قادرة على تقديم الرعاية الإنسانية والخدمة المدنية التي عجزت عنها بسبب ما مرت به من حصار ومقاطعة دولية", وأن "الإخفاق في رفع الحصار عن المدن الفلسطينية وعدم دعم السلطة في رام الله سيتسبب في استنساخ عرفات بآخر". وزعم الراشد أن معظم عمليات القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية و قطاع غزة كانت للانتقام لا للقضاء على خصومها, وهي الذريعة التي طالما استخدمتها إسرائيل ووسائل الإعلام الغربية المتعاطفة معها لتبرير ممارسات الاحتلال الإسرائيلي العدوانية في الأرض المحتلة.
في الحلقة الأخيرة من سلسلة "ما بعد دفن عرفات" كتب الراشد: "اختتمت الحالة العرفاتية بحالة جمود قاتلة, وساحة مكتظة بالانتحاريين, وقطيعة دولية, وبرود عربي, ومؤسسة سياسية معطلة, وخزينة مفلسة, وصراع على السلطة كاد ألا ينتهي". هذا المشهد الذي يرسمه الراشد حول عرفات يؤكد انحيازه المطلق للصورة النمطية الأميركية للمشهد الفلسطيني التي لا يبرز فيها سوى الجمود والفساد والإفلاس وقطعان بشرية فاقدة للأمل ومقبلة على الموت انتحارا. الحقيقة تقول إنه لم تكن هناك قطيعة دولية, بل قطيعة أميركية إسرائيلية, أما البرود العربي الذي أشار إليه الكاتب فكان مجرد ثمرة لهذه القطيعة. هذا لا يعني طهارة الساحة الفلسطينية في عهد عرفات من الفساد, ولكن الراشد لا يرى في المشهد أكثر مما يسمح به المنظور الأميركي والإسرائيلي الذي قرر عزل عرفات, وسعى لتصوير الشعب الفلسطيني بوصفه شعبا كارها للحياة, عاشقا للعدمية والموت الرخيص.
في مقال له بعنوان (شدوا الأحزمة في الأرض المحتلة) منشور في 29 من تشرين الثاني (نوفمبر) أثنى الراشد على الأداء السياسي للقيادة الفلسطينية الجديدة, لكنه أثار مجددا مسألة حركات المقاومة, وعلاقة السلطة بها. يقول: "بقيت ملفات صعبة, لكن ليس صعبا في هذا الظرف التضامني التوصل إلى حلول لها, مثل سحب قرار الحرب من يد الفصائل والتنظيمات الأخرى مثل حماس والجهاد الإسلامي التي تقرر متى وأين وكيف وأين تقاتل. الوقت حان للتنسيق مع السلطة الفلسطينية, والاعتراف بحقها في اتخاذ القرار الاستراتيجي, كالحرب والسلم". ويتساءل الراشد ماذا ستفعل السلطة الفلسطينية عندما تقرر إيقاف العمليات العسكرية, ثم "تتمرد فصائل على القرار, وتخرق الاتفاق, ويقتل جمع من المدنيين الإسرائيليين؟". ويلجأ الراشد إلى التحريض على فصائل المقاومة متسائلا: "هل ستقبل السلطة بتنظيمات خارجة عن إرادتها, تنفذ عمليات متى ما تريد, وتبني معسكرات كيفما تريد, وتتعامل سياسيا مع جهات خارجية متى ما تريد؟ لا توجد سلطة في العالم تقبل بذلك إلا إذا كانت مجرد دمية لآخرين..لا تملك القيادة الجديدة إلا حسم مسألة المرجعية السياسية الواحدة, ككل نظم العالم, وتفرضها بشكل لا تردد فيه..".
في مقال من حلقتين بعنوان "من ينقذ السنة من السنة", نشرا في يومي 1 و 2 من كانون الأول (ديسمبر) انتقد الراشد المقاومة السنية في العراق متسائلا بتهكم: "هل المسالخ البشرية التي عثر عليها في الفلوجة, وروعت صورها العالم هي بيوت سنية؟ وهل المجالس والعلماء الذين توعدوا أقوى قوة في العالم, ينطقون بالفعل بلسان أضعف فريق في العراق؟". يتجاهل الراشد الصور التي روعت الضمير الإنساني حقا, وهي صور الذبح الجماعي, والإجهاز على الأسرى في المساجد, وسياسة الأرض المحروقة, وحرب الإبادة التي شنتها قوات الاحتلال الأميركية على تلك المدينة العراقية الصغيرة. ويجعل الراشد معيار العدل والحكمة هو الاستسلام للقوي المتجبر, والإقرار بالضعف والخنوع أمام دمويته وإرهابه, عندما يتساءل: هل العلماء الذين توعدوا أميركا ينطقون بلسان السنة الضعفاء؟ من قال إن القوة الأميركية لا راد لقضائها, ولا معقب لحكمها, ومن قال إن السنة هم أضعف فريق في العراق؟
يضيف الراشد شامتا بالسنة العرب:"الفلوجة المعركة رغم ما سببته من أذى كبير, ربما أنقذتهم من متطرفيهم, الذين كانوا يقودونهم نحو الدمار.. تحصنهم في الفلوجة حولها إلى مقبرة لهم.. وما حدث يبرهن كذلك على انعدام خبرة القيادة والمفاوضة عند السنة العرب. وهم بالفعل أناس بلا خبرة سياسية".
في الحلقة الثانية من مقاله "من ينقذ السنة من السنة" يواصل الكاتب هجومه على السنة العرب, فيقول إنهم "تحت القصف, وخارج سوق الانتخاب, بسبب عنادهم وجهلهم, وترك زمام قيادتهم للمتطرفين الذين يسكنون بينهم, أو يتحدثون باسمهم, وعلى سنة العراق أن يتذكروا أن متطرفي السنة, لم يفلحوا في البلدان ذات الأغلبية السنية, كما في الخليج ومصر والأردن, حتى يمكن أن يفلح تطرفهم في فعل شيء لصالح العشرين في المائة من سكان العراق". لا يضيف الكاتب جديدا هنا سوى أنه رمى السنة العرب في العراق عن بكرة أبيهم بالتطرف, بما فيهم هيئة علماء المسلمين, أبرز الأصوات الوطنية التي تعارض الانتخابات في ظل الاحتلال, بل ذهب إلى خارج حدود العراق فرمى حركات معارضة إسلامية في بلدان عديدة بالتطرف, وكرر المقولة الدعائية الأميركية القاضية بأن سنة العرب أقلية لا تتجاوز نسبتها عشرين في المائة من سكان العراق.
لا يبدو أبدا أن الراشد يضيف جديدا في طرحه. إنه فقط يعيد إنتاج ما تضخه وسائل الدعاية الأميركية حول الأحداث والأشخاص والظواهر في المنطقة العربية بأسلوب فيه كثير من الغطرسة والضحالة والنمطية.
* أستاذ الإعلام السياسي المشارك - جامعة الملك سعود - الرياض
كفاية تتهم مبارك وقادة كبار في الدولة والحزب الحاكم بالمسئولية عن بلطجة المظاهرات
في مؤتمر صحافي عقدته يوم الخميس الحركة المصرية من أجل التغيير، المعروفة باسم "كفاية"، أعلنت خلاله تفاصيل ملف يوثق للاعتداءات التي تعرض لها متظاهرون معارضون لتعديل المادة 76 من الدستور الأسبوع الماضي، والتي تخللتها عمليات عنف غير مسبوقة وصلت إلى حد هتك عرض بعض المتظاهرات. وقال جورج اسحق، المنسق العام لـ "كفاية" إن الحركة تعلن قائمة بالمجني عليهم، وأخرى بالشخصيات الأمنية وقيادات الحزب الحاكم المتهمة بالتورط في هذه الوقائع، كما شدد على "ضرورة محاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات الفظيعة وغير المسبوقة على الإطلاق"، والتي اعتبر منسق الحركة أنها "أساءت إلى سمعة مصر عالمياً"، مؤكداً في هذا الصدد أن "الحركة سوف تواصل كفاحها ونضالها من أجل إقرار الديمقراطية والحرية لشعب مصر
بيان بأسماء المتهمين
رئيس الجمهورية، السيد محمد حسني مبارك، بصفته المسئول المباشر عن أعمال الشرطة بكل عناصرها حسب الدستور
اللواء حبيب العادلي، وزير الداخلية
اللواء حسن عبد الرحمن مدير جهاز أمن الدولة
اللواء نبيل العزبي مدير أمن القاهرة.
اللواء إسماعيل الشاعر مدير مباحث القاهرة
العميد حسام سلامة، الضابط بأمن الدولة، فرع القاهرة.
العقيد أحمد العزازي، المسئول أمنياً عن النقابات
مأمور قسم قصر النيل، وضباطه
اللواء عبد الله الوتيدي، نائب مدير مباحث القاهرة
ضباط أمن الدولة ـ فرع الجيزة، بشارع جابر بن حيان في الدقي
من تم التقاط صور لهم من الضباط والجنود، وعناصر الأمن المرتدين ملابس مدنية، والبلطجية، ويتعين على وزير الداخلية، ووزارته تحديد أسمائهم ووظائفهم، ورتب من لم تتضح رتبته في الصور
السيد صفوت الشريف أمين عام الحزب الوطني.
السيدة ثريا لبنة: عضو مجلس الشعب
السيدة إيمان بيبرس : رئيس مجلس إدارة جمعية تنمية ونهوض المرأة
السيد مجدي علام: عضو لجنة السياسات بالحزب الوطني، وأمين مساعد لجنة الحزب بالقاهرة
السيد محمد الديب -صاحب شركات الرضوى
السيد مجدي إبراهيم: عضو مجلس الشعب في الأزبكية
- السيد علي الصغير، عضو مجلس نقابة المحامين – حزب وطني
السيد ماجد الشربيني، أمين شباب الحزب الوطني
السيدة عصمت الميرغني -جمعية بنت مصر
- السيد محمد حنفي عضو الحزب الوطني
.هؤلاء جميعاً متهمون بممارسة العنف ضد المتظاهرين بالتخطيط، وباليد، والتوجيه، والأمر، وجلب المستأجرين من البلطجية، والمسجلين خطرين، وتحريضهم على المتظاهرين، وبضربهم وسحلهم وانتهاك أعراضهم، وسرقة أموالهم، وأجهزة محمولهم، ومتعلقاتهم الشخصية، ورجال الإعلام من صحفيين ومراسلين، ومصورين، وعاملين بالفضائيات.
الأردن : ضغط الاستخدام يعطل منظومة التعلم الإلكتروني التربوي 10/06/2005
ليلى خليفة - عمان- تعرضت منظومة الإيديوويف للتعلم الإلكتروني إلى خلل منذ أيام جرّاء ضغط الاستخدام الهائل الناتج عن محاولات نحو 57 ألف معلم ومعلمة إدخال علامات مليون ومائتي ألف طالب وطالبة يدرسون في المرحلة الأساسية. فيما تسعى الوزارة إلى إصلاحه بأسرع وقت.
وعزا المستشار الإعلامي الناطق الرسمي باسم وزارة التربية والتعليم أيمن بركات الخلل الذي طرأ على منظومة التعلم الإلكتروني (الإيديو- ويف) أثناء عمليات إدخال علامات طلبة الصفوف الأساسية إلى "التدفق في المعلومات الرقمية الهائل إليها ما تسبب في تعطيلها"، موضحا أن "عمليات الإدخال فاقت سعة التحمل للمنظومة ما أحدث العطل".
وأكد بركات على أن "الوزارة تعمل على إصلاح الخلل منذ أول من أمس وهي في طريقها إلى السيطرة عليه اليوم لإتاحة المجال أمام المعلمين والمعلمات لاستكمال عمليات إدخال علامات الطلبة ونتائجهم التحصيلية قبل بدء امتحانات التوجيهي للدورة الصيفية في الرابع عشر من الشهر الجاري".
وأضاف بركات ان"حوسبة الأعمال الإدارية بما فيها إدخال علامات الطلبة الشهرية والفصلية وتسجيل واعتماد نتائج الطلبة ينسجم مع توجهات وزارة التربية لتطوير التعليم نحو الاقتصاد المعرفي".
وتنص التعليمات على ضرورة إنهاء عمليات إدخال علامات الطلبة وبياناتهم وبيانات أولياء أمورهم قبل يوم الثلاثاء المقبل الموافق الرابع عشر من حزيران (يونيو) موعد بدء عقد امتحان شهادة الثانوية العامة.
ويبلغ عدد معلمي المرحلة الأساسية التي تضم نحو مليون ومائتي ألف طالب وطالبة قرابة 57 ألف معلم ومعلمة يعملون في زهاء 3 آلاف مدرسة.
وفي سياق متصل، قالت المعلمة تحرير الخياط إن "الموقع الخاص بإدخال بيانات الطلبة على الرقم الوطني (
www.emis.moe.gov.jo) مغلق ولا يمكن الولوج إليه لإتمام عمليات الإدخال".
وأضافت ان" الخلل كذلك ينسحب على منظومة الإيديو ويف سواء موقع التغذية بالعلامات، أو الخاص بربط أولياء الأمور بأبنائهم الطلبة ليتسنى لهم الاطلاع على نتائجهم عبر المنظومة".
وأشارت إلى "اضطرار المعلمات إلى البقاء حتى ساعات متأخرة من الليل لإدخال علامات الشعب التي تدرسها متحينة أوقات يخف فيها الضغط عن المنظومة"، مضيفة أن "ذلك يعيق أداء مهام المعلمين وإنهائها بالوقت المطلوب فضلا عن أنه يرهقهم ويستنزف أعصابهم وجهودهم".
وطالبت الخياط "الوزارة بتهيئة البنية الالكترونية الجيدة والقادرة على استيعاب عدد المستخدمين الهائل لا سيما أن الخلل حدث أيضا العام الماضي".
ويستطيع الطلبة من خلال المنظومة متابعة علاماتهم وغياباتهم وواجباتهم والإعلانات المدرسية والجدول الدراسي والمناهج والتقدم للامتحانات فضلا عن إمكانية المشاركة في الحوارات والجلسات الدراسية.
كما أنها تمكن المنظومة كافة أطراف العملية التعليمية (المعلم والطالب وولي الأمر) من الاتصال والتفاعل بسهولة.
وتسعى المنظومة التي شرعت وزارة التربية بتنفيذها عام 2002 إلى "تزويد الطلبة بالوسائل اللازمة لتحسين تطورهم التعليمي والذاتي ومتابعة أدائهم، وتزويد المعلمين بالوسائل التي تساعدهم على إيصال الأفكار لطلبتهم، وتفصيل المواد العلمية وفق الاحتياجات الفردية لكل طالب، ونقل العملية التعليمية إلى العصر الرقمي، وتحسين نوعية ومستوى التعليم داخل الصف وخارجه، وزيادة التفاعل بين المعلم والطالب".
وتتلخص مزايا المنظومة في المشاركة في المعرفة وأدواتها. وتمكين الطلبة من استخدام أدوات سمعية وبصرية، وسهولة الاستخدام، وتوفير الاتصال الدائم مع المستخدمين، وسهولة التطوير والتحديث.