Al-Arab Blog - مدونة العرب
٢٠٠٦/٠٥/٠٨
ضربة موراليس
بقلم :عماد الدين حسين
ايفو موراليس هو أول بوليفي من أصل هندي يتولى رئاسة بلاده .. هذا الرجل دخل التاريخ بالقرار الذي أصدره الأسبوع الماضي بتأميم قطاع المحروقات، وأمر جيشه بالسيطرة على حقول الغاز في بوليفيا.
قرار موراليس الذي أصاب أميركا وأوروبا بالصدمة سيغير قواعد اللعبة بأكملها في هذا الجزء من العالم، وقد يمتد أثره ليصبح بداية لتغيير لعبة الاقتصاد الدولي بأكملها إذا قدر لهذه الخطوة النجاح والاستمرار، كما حدث في الخمسينات بثورة «التأميم» ضد احتكار الشركات الاستعمارية.
موراليس طالب الشركات الأجنبية الكبرى بأن تدفع أكثر من 80% من أرباحها إلى الشركة الوطنية العامة للمحروقات، التي أصبحت بموجب القرار مكلفة بإدارة الحقول البوليفية، والقرار ينطبق على 26 من كبريات شركات الطاقة العالمية العملاقة مثل أكسون موبيل الأميركية و«بريتش غاز» البريطانية و«توتال» الفرنسية و«ريبسول» الاسبانية وأمهلت بوليفيا هذه الشركات الكبرى ستة أشهر للتوقيع على عقود استثمار جديدة.
القرار البوليفي ليس الأول من نوعه في أميركا اللاتينية، حيث بادرت فنزويلا ورئيسهاالوطني المتصدي للهيمنة الأميركية هوجو شافيز إلى اتخاذ خطوة مماثلة وإن كانت أقل حدة باجبار شركات الطاقة العالمية على رفع الضرائب التي تدفعها للحكومة من عشرة إلى ثلاثين في المئة عام 2001 ثم رفعت النسبة مرة أخرى إلى خمسين في المئة مؤخراً، إضافة إلى إجبار هذه الشركات الأجنبية على إشراك الحكومة الفنزويلية بنسبة ستين في المئة.
هذا التحرك الفنزويلي الوطني والمستقل كان سبباً للتحرش الأميركي الدائم بالرئيس شافيز والذي وصل إلى محاولة إطاحته بالقوة والانقلاب الفاشل عليه قبل عامين تقريباً.
الخطوة البوليفية رمزية في جزء كبير منها، فالدولة ليست منتجاً كبيراً للنفط، فهي لا تنتج سوى 40 ألف برميل يومياً مقارنة مثلاً بثمانية ملايين برميل تنتجها السعودية أو 9 ملايين تنتجها روسيا لكنها ،أي بوليفيا، تملك ثاني أكبر احتياطي للغاز الطبيعي في أميركا اللاتينية.
ورغم رمزية هذه الخطوة فإن الرسالة التي تمثلها أو تبعثها لمن يهمه الأمر كانت شديدة الخطورة، والسبب أنها في نظر الغرب أقرب إلى «العدوى» سريعة الانتشار وإذا نجحت في مجالات عدة غير الطاقة فإنها تقلب الطاولة على رؤوس الشركات متعددة الجنسية الكبرى خصوصاً الأميركية التي كدست ثروات طائلة من مص دماء الشعوب المغلوبة على أمرها.
وهنا نأتي إلى توضيح كيف أن خطوة موراليس تعتبر تغييراً في قواعد اللعبة الدولية خصوصاً في مجال الطاقة. أصبح معلوماً للجميع مدى النفوذ الذي تمثله الشركات الدولية الكبرى، نفوذ يفوق دولاً وأحياناً قارات بأكملها، بل إن هذه الشركات عملياً هي التي تدير الجزء الأكبر من السياسة الأميركية، بما يخدم مصالحها.
ونموذج شركة «هاليبرتون» خير مثال في هذا الشأن، هذه الشركات ترى أحياناً أن توسيع نشاطها وتعظيم أرباحها لا يتحققان إلا عبر الحرب وبيع الأسلحة، فتعمل على شن الحروب، كما أن هناك لدى كثير من العامة مفهوماً خاطئاً ان عائد بيع سعر برميل النفط الذي يبلغ هذه الأيام 75 دولاراً يذهب بأكمله إلى الدولة المنتجة.
الحقيقة ان جزءاً كبيراً من هذا المبلغ يذهب إلى شركة النفط التي تدير حقول الإنتاج، هذه النسبة تختلف من مكان إلى آخر حسب طبيعة الحقل وظروف التنقيب وتكلفة الإنتاج، وعلى سبيل المثال اعترض نواب كثيرون في البرلمان الأردني في فبراير الماضي على ما اعتبروه شروطاً مجحفة تعطي شركة «سونوران» الأميركية نسبة ستين في المئة من طاقة الإنتاج في حوض الأزرق مقابل 40% لخزينة الدولة.
إذن عندما تأتي دولة وتؤمم صناعة النفط بأكملها مثلما فعلت حكومة الدكتور محمد مصدق في إيران في أوائل الخمسينات، الأمر الذي دفع وكالة المخابرات المركزية الأميركية إلى تدبير انقلاب أطاح بحكومته الوطنية، وأعاد حكم أسرة الشاة مرة أخرى، فإنها تحرم هذه الشركات من الكعكة الكبرى التي تسرقها من الشعوب المغلوبة على أمرها.
نفس الأمر حدث تقريباً في أواخر الخمسينات وأوائل الستينات من القرن الماضي عندما نفذ الزعيم الوطني المصري جمال عبدالناصر ثورة تأميمات شاملة للمصالح الأجنبية، ما مكنه من إحداث وتمويل تنمية مستقلة لا تزال مصر تعتمد على جزء كبير منها حتى الآن رغم كل السرقات التي تتم، والأهم انه عبر هذه العملية تمكن ناصر من التصدي للنفوذ الاستعماري في كل المنطقة والشروع في مشروع وطني قومي تعرض للتصفية لاحقاً بفعل خطورته على المشروع الاستعماري.
لكن وإضافة لحق الشعوب في استغلال ثرواتها الطبيعية وبيعها بأسعار عادلة وحقيقية، فإن المعنى الرمزي والأكبر يتجاوز كل ذلك خصوصاً هذه الأيام.. كثيرون باتوا يعتقدون ان العولمة بالمفهوم النيوليبرالي المتوحش أصبحت قدراً لكل العالم لا فكاك منه.
وهنا جاءت التطورات الأخيرة في أميركا اللاتينية بفعل موجة المد اليساري المعارض للتوجهات الأميركية والذي بدأ في البرازيل ثم إلى فنزويلا وبوليفيا معتمداً على الهالة الأسطورية لفيدل كاسترو في كوبا.
شعوب هذه البلدان صوتت لقوى اجتماعية مختلفة، قوى ترى أن التمرد على «القدر الأميركي» بل وهزيمته أمر ممكن، رموز هذه القوى خرجوا من بين صفوف الناس العاديين، بل ان نموذج موراليس نفسه في بوليفيا خير مثال لذلك.
هو مواطن بسيط وعادي، لكنه يحب بلده ويكره الظلم والجبروت، بسيط حتى في زيه، تحدى البروتوكولات الشكلية وزار بلداناً أوروبية مرتدياً البنطلون والقميص أو حتى «البلوفر» من دون بدلة أو «كرافتة»، هو نمط من الحكام يغامر من أجل شعبه لا على حساب شعبه..
ما أحوج بعض الشعوب المغلوبة على أمرها إلى قادة من عينة موراليس وشافيز، يصلون عبر صناديق الانتخاب وليس على ظهور الدبابات ، يؤممون الثروات للشعوب وليس لحساباتهم الخاصة في سويسرا.
1 Comments:
لنخرج من هذا الوضع المأساوى
لكن القدر وضعنا بين شقى رحى
لصوص بدون لحى ولصوص بلحى
وعليك ان تختار
"Join this group" مجموعة العروبيين : ملتقى العروبيين للحوار البناء من أجل مستقبل عربي افضل ليشرق الخير و تسمو الحرية | ||
Subscribe to Arab Nationalist | ||
Browse Archives at groups-beta.google.com |
This work is licensed under a Creative Commons License.
Anti War - Anti Racism
Let the downFall of Sharon be end to Zionism
By the Late, great political cartoonist Mahmoud Kahil